الصين بعيون موريتانيةالصين وموريتانياثقافةمواضيع مختارة

بريد مانداريم: زيارتي للصين/ محمد علي البخاري

هبطت طائرة البوبنغ الضخمة التابعة للخطوط التركية ضحى ذلك اليوم الخريفي المشمس ..هبطت على أحد مدارج مطار بيجين الدولي . كانت الشمس تلقي بأشعتها عبر النوافذ على الراكبين المتعبين من رحلة استمرت سبع ساعات بين إسطنبول وبيجين ، وكأنها تقوم بترحيب حارلزوارأقصى الشرق العالمي في المخيلة العربية .
نزلتُ من الطائرة وأخذت مكاني في الطابور ، عدة دقائق كانت كافية لإنهاء جميع إجراءات الدخول والختم على الجواز ، أخذت حقائبي ودلفت -عبر البوابة الكبيرة -الى داخل المدينة ..
Hello where are you goin my friend
قالها أحدهم وهو يأخذ مِقوَدَ سيارة أجرة ويشغل موسيقى غربية صاخبة ، أجبته بدوري وبصينية رديئة وأشد تكسراً
我要去沈阳 اريد أن أذهب الى مدينة شنيانغ

ابتسم وقال -بحس المجاملة الصينية المحفز –:
你中文说的那么好,انك تتكلم اللغة الصينية بطلاقة

لم أعر ذلك التحفيز المبالغ فيه انتباها ، لأن الوصية الأولى التي أخبرني بها أستاذ الادب الصيني بجامعة انواكشوط وهو يودعني ، أن الصينيين بطبعهم يعتبرون الأجنبي الذي يمكنه التحدث بالصينية إنساناً خارقاً ، لذلك فإن أي عبارة صينية يتلفظ بها الأجنبي في الصين ستلقى الترحيب والتشجيع ، مهما كانت رداءتها نطقاً ونحواً ومعنى.

فهم السائق اني متوجه الى محطة بيجين الغربية التي يمكنني اخذ قطارمنها متوجهاً الى مدينة شنيانغ ،
ركبتُ في الخلف وطلبتُ منه تخفيض صوت المسجل .
كانت مدينة بيجين الضخمة تترائى أمامي وكأنها مدينة معلقة في الفضاء لضخامة بناياتها التي تحجب الشمس في بعض المقاطع، في مشهد يغري الزائر الجديد بجولة -ولو سريعة- داخلها ليقف على حقيقة كيف أن أمة اتحدت ذات يوم وتعاهدت على بناء دولة تكون مركز العالم بدون أي مساعدة من أي قوة خارجية ..

قادتني الجولة السريعة الى المرور ب ميدان تيان آن من والبناء الضخم لمقر شبكة إذاعة وتلفزيون الصين، والمرور أمام المدينة المحرمة ، وغيرها من المعالم التي تمزج بين الأصالة والمعاصرة في امتزاج يدل على قدرة الإنسان الصيني على بناء حضارة معيارية تأخذ بعين الاعتبار خصائص التراث الصيني الثري وعموميات المشتركات العالمية.

دخلتُ الى محطة القطار واقتنيتُ تذكرة الى مدينة شنيانغ القابعة في الشمال الشرقي من ذلك الكوكب العجيب .
في انتظار موعد الرحلة اخدت قهوة وجلستُ أتأمل وجوه العابرين . أمواج بشرية تملئ جغرافية المحطة جيئة وذهاباً ، أمواجٌ لاتكاد تجتمع حتى تتفرق في كل اتجاه وعبر كل خط من خطوط سلسلة القطارات الموجودة في جوانب هيكل المحطة ، لتتشكل أمواج بشرية أخرى وهكذا…

عجوز مزارع يُحاول ربط بطانيته ووسادته دخل خنشة كبيرة ، وشاب يطبطبُ على منكب حبيبته التي أصبحت دموعها لحظة الفراق ثابتة على خديها ، طفل يركز النظر على شكليّ الغريب داخل المحطة ، ويلتفت الى أبيه متسائلا باستغراب:
“爸! 这是我们昨天在印度电影中看到的演员吗?”
“بابا! هل هذا هو الممثل الذي كان في الفلم الهندي البارحة ؟”
يحاول الاب -في حركة ذكية-لفت انتباه الأبن بالطلب منه مشاهدة الساعة الكبيرة المعلقة في منتصف المحطة قبل ان يذوباً في تلك الأمواج البشرية الهائلة .

سرقتُ غفوة لم يوقظني منها سوى العجوز بائع المياه والفول يُطالب شاباً بدفع ثمن قنينة الماء نقداً ، بينما يُحاول الشاب إقناعه بدفعها عبر تطبيق الويشات .
نهضت بتكاسل واخذت مكاني في الطابورقبل أن أدلُفَ الى داخل القطار السريع الذي بدأ عند توقيت الرحلة تحديداً يلتهم المسافة بشراهة .
اربع ساعات ونصف كانت كافية لقطع مسافة سبعمائة كيلومتر مربع بين العاصمة القديمة للبلاد وعاصمتها الجديدة .

“朋友,起来到沈阳了“
“صديقي استيقظ لقد وصلنا ل شنيانغ”.
هكذا أيقظني رجل صيني مهذب يجلس بجانبي في القطار ،كنتُ قد طلبت منه تنبيهي عند الوصول لمحطة شنينانغ، فمع أني حاصل على ليصانص في الأدب الصيني من جامعة انواكشوط ، إلا أن مستواي لازال ضعيف على فهم كلام مضيفة القطار التي تطلق نداءً عبر مكبرات الصوت داخل القطار عند كل محطة لتنبيه الراكبين والنازلين .

شكرتُ الرجل الذي نبهني ، ونزلت من القطار اجر حقائبي ، وذبتُ داخل الأمواج البشرية الموجودة داخل المحطة التي تنتظر شبكة من القطارات تجمع خطوط البلاد الكبيرة .

خارج المحطة كان الجو المسائي جميلا ، نسيم عليل مصحوب بزخات مطر طفيفة ، اخترت اخذ دراجة نارية بدلاً من التاكسي الممل ، لأستمتع بالجو الجميل ولأدخر جزءاً من مبلغ الأجرة.

أوصلني الشاب صاحب الدراجة الى بوابة جامعة ليانويغ ، وهناك بدأت رحلة أخرى

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى