اتحاد الطلبة الموريتانيين في الصين ينظم حفلا ثقافيا
بقلم الصحفي احمدو اندهمر / شنقيط في ضيافة التنين
إذا صادفك مشهد صيني أو صينية ،”يُجدِّفان”بِعِصيِّهم في لُجة أطباق وطنك ، فاعلم أنك مميز!! ، وانك أكثر من ذلك ، أتيح لك أن تعيش بالعين المجردة ، لا عبر الكتب والروايات ، معنى حوار الثقافات….في أرقى تجلياته وأنصع صوره!!
وإذا تصنّعت الشرود ، وصرف البال ، عن هذا المشهد لعدم الإحراج، ولِتبيُن الحقيقة من المجاملة في مشهد كهذا ، ثم أعدت الكرة على حين غرة…ووجدت أن أطباقك بكسكسها وأرزها ، ولحمها قد التُهمت وبدأ الطلب على المزيد…فأعلم كذلك أن حضارة بلدك وثقافته تفاعلية ، وأنها قادرة على السفر آلاف الأميال ، لا تخاف دركا ولا تخشى!!!
هذا المشهد المفعم بالمشاعر الوطنية ، لم أكن لأقف على حقيقته على النحو الموصوف لولا الدعوة الكريمة التي وجهها لي اتحاد الطلبة الموريتانيين في الصين من خلال رئيسه الطالب المتميز ، والمهموم بوطنه السيد صدام ولد البشير لحضور فعاليات اليوم الثقافي الموريتاني في الصين….
فعاليات هذه النسخة الثانية لهذا النشاط الطلابي المتميز الذي احتضتنه مدينة بادونغ والذي جرى بالتعاون بين اتحاد الطلبة وجامعة خُبي العتيقة كانت كلها سلسلة من العروض الجميلة والمتصلة الفقرات مابين التراث والثقافة و الفلكلور ، و العادات والتقاليد والأنماط الحياتية والإنتاجية، التي اختزلت الملامح العامة للوطن وتاريخه في ساعتين من العرض كانتا،من أغنى وامتع ما شاهدت إطلاقا خارج حدود البلاد…!!!
هذا اليوم التاريخي الذي أشرف على انطلاقته سفيرنا في الصين سعادة السيد بال محمد الحبيب ونائب رئيس جامعه هيوباي السيد يانغ شيشين بحضور المستشار بالسفارة الموريتانية المكلف بالشؤون التجارية سعادة السيد محمد الأمين محمد عالي ،ونائب رئيس الجالية الموريتانية في الصين السيد محمد الامام ولد الحاج ، أتاح بامتياز للصينيين فرصة الوقوف على حقيقة بلاد شنقيط ،وثراء تنوعها الثقافي والعرقي ، من جهة ، وقدرة أبناء موريتانيا المؤمنين بالوطن وبقيمة على عرض بلادهم على الآخر أحسن وأمتع مايكون العرض والتشويق ،،،وقدرتهم كذلك على صهر كل الخصوصيات والثقافات والمميزات لصنع ” عجينة” من الفرادة والمتعة والذوق الرفيع تُلهب حماس الآخر وتحبس أنفاسه…!!!
….بعد جلسة استراحة بعيد وصولنا لجامعة خُبي ، أشرف فيها سعادة السفير الموريتاني على اجتماع بالطلبة ، ورئيس اتحادية الطلبة الموريتانيين ،ونائب ورئيس الجالية الموريتانية في الصين ، وعبر فيهاالسفير عن غبطته بالحدث ، واعجابه بفكرته في جوانبها الثقافية ، ومد جسور الصداقة بين الصين وموريتانيا ، وتشجيعه للمبادرة ……تحول المشهد مباشرة إلى قاعة العرض الكبرى التي دخلتُها ضمن المرافقين على استحياء ووجل ، وأنا أستقبل نظرات المئات من المتفرجين الصينيين ،وأتساءل هل نحن في مستوى إشباع نهم هذه الحشود الكبيرة ، وما عسى فتية من الطلبة لاحول لها ولا قوة أن يفعلوا ، في هذا اليوم المشهود!!! وما الذي سيُعرض ، و هل هو بحجم الزخم الكبير لتظاهرة عطلت الجامعة عملها من أجلها واستقدمت لها شخصية بحجم سفير البلد!!!!
لكن ،،لم تطل حيرتي كثيرا ولم يطل هاجسي،حينما رأيت الاندفاع الحماسي والثقة الكبيرة في النفس للطلبة الموريتانيين وهم يتبادلون الأدوار بدقة متناهية على خشبة العرض ، من خلال تقديم متقن لمفردات تراث البلد وعاداته وفلكوره ، في مراوحة أكثر من شيقة ، بين العرض المباشر ، والعرض المسجل والمصور…
كانت فقرات هذا الحدث متصلة ببعضها البعض وشلالا متدفقا تتراءى فيه للموريتاني المشارك في التظاهرة تلك الربوع البعيدة وتلك العادات والقيم والألوان والأشكال التي هجرها وبعدت بينه الشقة معها،،،وبالنسبة للمحليين كانت عبارة عن عملية ” عصف ذهني” رائقة لاكتشاف عوالم ومفردات موغلة في الفرادة والخصوصية والجمال تسر الناظر وتهز المشاعر!!
العرس الثقافي الموريتاني في الصين ، كان حدثا مميزا بامتياز ، وأضفى عليه الطلبة الموريتانيون مسحة خاصة وهم يدبلجون المشاهد باللغة الصينية المتقنة ، و يتحركون على خشبة العرض بالأزياء الوطنية الجميلة الرجالية والنسائية، ويتبادلون الأدوار ، ويتقمصونها من كل الأعراق والمكونات الثقافية المشكلة للوطن.
وكانت هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها موريتانيا على حقيقتها الأصلية ، والتي طالما حلمت أن تظل على هذا النحو ، بوتقة واحدة تنصهر فيها كل الخصوصيات وتذوب فيها كل الفوارق لصنع ” عجينة” الوطن الواحد والأمة الواحدة السائرة على بساط واحد إتجاه هدف واحد ، وغاية أسمى ، هي رفعة وعزة الوطن…
خرجت من العرض ضمن الوفد الرسمي ، وهنا لم أخرج منكس الرأس كما البداية ، بل مرفوع الرأس بفضل أداء وتميز طلبة موريتانيا في بكين ، وكنت هذه المرة اقتحم الحشود واستبين الانطباعات في الوجوه من حولي ، وكانت كلها غاية في الايجابية والإعجاب والإحترام للموريتانيين عموما ، هناك خارج الوطن وهنا بين دفتي الغربة والتيه!!!
وأحسست للمرة الأولى كم هي متشابكة ومتداخلة خيوط ووشائج الانتماء ، وكم هي قوية شحنات تيارات ” طاقة ” الانتماء للوطن التي تشعلك من الداخل ، وتشع في كل مفاصلك ، بمجرد متابعة عرض يُحيل إلى الوطن ،ويستحضر حياته وواقعه أمام الآخر….!!!
ذلك درس ، آخر ، واكتشاف آخر…..!!!
خرجت كذاك بانطباع آخر ،ذا بعد سياسي ، ودولي ، وهو أن بعض الدول ، يتنفس برئة البعض الآخر ، لما حباهم الله به من التقارب وقرب المودة ، وتجانس الأمزجة والسرائر،،،من هذه الدول موريتانيا والسودان الشقيق!!!
فلقد برهن عرض الطلبة الموريتانيين اليوم على ذلك……كيف!؟
لم أكن أعلم أن الفتيات الجميلات ، والموريتانيات “قلبا وقالبا” اللائي أبدعن في عرض انماط الثقافة الموريتانية ، زيا ،ومظهرا ، وأداء ، كانو سودانيات الا حين خرجت من القاعة ، والتقيت بهن ، على هامش العرض!!!!
لقد قدمن إلى جانب أخواتهن الموريتانيات اللائي لم يكن عددهن كافيا لمتطلبات العرض ، فصلا آخر من فصول التلاحم والوحدة والتقارب بين البلدين الشقيقين موريتانيا والسودان..!!!!
شكرا….كل الشكر لاتحاد الطلبة الموريتانيين في الصين على هذه السانحة الجميلة ، وعلى الجهد الجبار للتعريف بالوطن وتمثيله أحسن تمثيل ، شكرا لكم ياسفراء الثقافة الموريتانيين ويا جسور المودة والمحبة والتقارب بين الشعوب..
تحية لجامعة خبي العتيقة التي تحتفل بعيدها الثمانين على رعاية واحتضان هذه التظاهرة الثقافية ، والشكر موصول لطالباتها اللائي كن جزءا هاما من الحدث بمشاركتهن الأدوار في أغلب العروض ، بالأزياء الموريتانية الأصيلة واللغة العربية الفصحى…
تحية للصين ، على دورها الهام والمعتبر في تشجيع حوار الثقافات وتهيئة الأرضية المناسبة للأخذ والعطاء الثقافي بين الدول والشعوب….
تحية لبلدي الثاني السودان ، وأهله وشعبه الكريم،،،ولتتواصل مسيرة التكامل والعطاء والتعاون بين البلدين الشقيقين..
…..للإشارة قبل الختام ، يبلغ عدد الطلبة المريتانيين في الصين زهاء مائة وخمسة وعشرين طالبا في مختلف التخصصات العلمية و الأدبية ، ويتمتعون جميعهم ، وفق برنامج التدريس بتكوين قاعدي في اللغة الصينية