موريتانيا و الصين و طريق الحرير بقلم المصطفى ولد البو
موريتانيا و الحزام و الطريق
خرج مشروع الحزام الاقتصادي لطريق الحرير إلى العلن أول مرة على لسان الرئيس الصيني الحالي شي جينغ بينغ في خطاب ألقاه في جامعة دارباييف في كازاخستان سبتمبر عام 2013، حيث قدّم المشروع الطموح كمبادرة جديدة في السياسة الخارجية، تهدف إلى تعزيز أواصر التعاون الدولي والتنمية المشتركة و من المتوقع أن يربط المشروع بين قارات أوروبا و آسيا و إفريقيا، كما دعا بعدها بشهر و أمام البرلمان الإندونيسي إلى إعادة إنشاء شبكة الممرات البحرية القديمة لخلق طريق الحرير البحري من أجل تعزيز البحث العلمي و البيئي و تسهيل تربية و صيد الأسماك.
يحمل المشروع اسم أشهر سلعة كانت الصين تنتجها و هي الحرير الذي كانت تنقله إلى العالم عبر هذا الطريق الذي يرجع تاريخه إلى عام 3000 قبل الميلاد، طريق كان له تأثير كبير في ازدهار الحضارات القديمة كالصينية و الهندية و المصرية و الرومانية و يمر فرعه الشمالي عبر أوروبا حتى البحر الأسود أما فرعه الجنوبي فيغطي العراق و تركيا و سوريا و مصر و شمال إفريقيا.
ليس سرا أن الصين تخطط من خلال إحياء طريق الحرير لردم الفجوة الآخذة في الاتساع بين شرق البلاد و غربها بحكم تركيز النشاط الاقتصادي في مدن الشرق و عليه يُتوقع أن ينتج عن هذا المشروع الطموح انتعاش اقتصادي في غرب الصين و جنوب غربها حيث تم الاستعداد لتنفيذ هذه الخطة من خلال إنشاء سكك حديد في تلك المناطق و إزاحة جبال و تحويلها إلى مسطحات بهدف زيادة المساحة. كما أن استفادة الدول التي ستصبح جزءا من المشروع لن تكون أقل من استفادة البلد صاحب الفكرة حيث يرى خبراء اقتصاديون أن حجم التبادل التجاري مع الدول التي يشملها المشروع سيصل إلى 21 تريليون دولار خلال عقد من الزمن.
رغم عراقة العلاقات الدبلوماسية بين موريتانيا و الصين و المستمرة منذ العام 1965 حتى اليوم إلا أنها لم تنعكس بالدرجة الكافية على جانب الاستثمار حيث تعتبر موريتانيا من الدول الأقل احتضانا للاستثمارات الصينية كما أنها تمثل نسبة ضعيفة من حجم التبادل الصيني الإفريقي الذي تخطى العام الماضي حاجز الــ200مليار دولار و يُتوقع له أن يصل لــ400 مليار دولار في عام 2020، و تلعب السياسة و تغليب المصالح الشخصية و غياب الاستقرار الأمني و السياسي دورا كبيرا في إفشال العشرات من المشاريع الأجنبية التي كان يُتوقع لها إن نُفذت أن تُنعش الدورة الاقتصادية و تُسهم في خلق وظائف جديدة
لجذب الاستثمارات الصينية و تقوية و تعزيز حجم التبادل التجاري – الذي مازال حتى اليوم يقتصر على الشاي و الصمغ العربي – على المسئولين إدراك و استيعاب أن موريتانيا أمام فرصة ذهبية تحتاج لتركيز كبير وجهد بحثي أكبر و نشاط سياسي دبلوماسي حماسي و وطني فطريق الحرير ينادي الجميع و القوافل تنتظر التحميل، هذا المشروع إن تحقق و رُبطت موريتانيا به سينقلها من مرحلة التخبط الاقتصادي إلى مرحلة التقدم و التخطيط الواضح.
و في هذا السياق لا يوجد أنسب من اختيار مدينة انواذيبو لتكون الوصلة التي من خلالها تلتحق موريتانيا بطريق الحرير فموقع المدينة أو شبه الجزيرة فريد من نوعه جغرافيا لأنها تطل على المحيط الأطلسي و تعانق في نفس الوقت الكثبان الصحراوية و تتميز بجو استوائي مغر لأي سائح سواء كان داخليا أو خارجيا، انوذيبو أيضا معروفة بقربها الشديد من أوروبا و أمريكا التي تفصلها عنها عقد بحرية كما أنها تمثل ملتقى طرق الممرات البحرية التي تربط من خلاله و بسهولة بين إفريقيا و البحر الأبيض المتوسط
و عليه إن تم ربط مدينة انواذيبو بمشروع طريق الحرير فستكون بدون شك بوابة المشروع على إفريقيا كما ستكون موريتانيا همزة وصل بين دول المنطقة و سيفتح الطريق أمامها نحو شراكات و تحالفات اقتصادية كبيرة و رقما مهما في معادلة التجارة الدولة إلى جانب كونها معبرا مميزا لأغلب و أهم البضائع المختلفة فالصين تقدم المشروع كحزام و حزمة، حزام لأنه سيغطي أكثر من 60 بلدا و حزمة لأنه سيجلب معه و للدول النامية خصوصا منافع و فوائد اقتصادية كثيرة.
ليس هذا فقط فالبلد على موعد مع انتعاش اقتصادي و استقطاب كبير للشركات الصينية و تعتزم الصين ضخ مليارات الدولارات في القارة الإفريقية مساعدة لها على الاستعداد للالتحاق بالمشروع حيث سيتم تشييد موانئ و شبكات طرق و خطوط سكك حديدية و نُظم الاتصالات و تكنولوجيا الأقمار الصناعية .
ستنعقد القمة الخاصة بالإعلان عن إحياء حزام طريق الصين الاقتصادي في يومي 14 و 15 مايو في العاصمة الصينية بكين و من المتوقع أن تشهد حضورا رسميا كبيرا و تغطية إعلامية مكثفة لذا من واجبي كمواطن موريتاني أولا و كصحفي قريب من الحدث ثانيا أن أشير إلى أمور منها أن الحدث مهم جدا و يجب التعامل معه على هذا الأساس و تجهيز دراسات ميدانية تخدم الدفع بربط بلادنا بالمشروع و التسويق الذكي و المنطقي للبلاد كونها مستقرة و الاستقرار شرط أساسي لمرور طريق الحرير من أي بلد كما ذكر الرئيس الصيني، إلى جانب التركيز على خطط من شأنها تخفيف بعض القيود على فرص الاستثمار و إظهار بلادنا دائما كجاذب ومرحب بها، كما أن على القائمين على وضع هذه الخطط أن يدركوا أن تحقيق النتائج لا يكون آنيا و لا مؤقتا و إنما يتم رسم الخطط دائما على المدى البعيد لأن الهدف الأكبر هو أن يستفيد كل البلد و تنعكس إيجابا على كل المواطنين.
كما أن على وزارة المالية و الاقتصاد أن تشكل لجنة من الخبراء الاقتصاديين عبارة عن خلية نحل لا تتوقف عن جمع المعلومات و تحليلها و تتابع بترقب كبير كل جديد عن المشروع دون أن أنسى الإشارة إلى أهمية دور وزارة السياحة و مكتبها الوطني خصوصا في هذه الفترة و الذي يجب عليه أن يعمل على إنتاج رسائل مرئية باللغات الأربع العربية و الإنجليزية و الفرنسية و الصينية تحتوي أساسا على أهم المعلومات الجغرافية و الاقتصادية و البيئية الخاصة بالبلد و كل المميزات التي يرى الخبراء الاقتصاديون أنها ستجعل موريتانيا جزءا مهما من هذا المشروع أو أي مشروع آخر فالهدف هو جذب المستثمرين بالدرجة الأولى و تحويل موريتانيا إلى منصة و معبر.
إذن هو عمل جماعي رسمي و شعبي يحتاج إلى شحنة وطنية و مسؤولية لتغذيه و تدفع به إلى الأمام، بالإضافة إلى درجة كبيرة من العزيمة و الإصرار و إلى الذين يعتقدون أن مشروع حزام طريق الحرير الاقتصادي أمرا خرافيا، تذكروا أن كل الانجازات التي حققتها البشرية و تتمتع بها اليوم كانت إلى وقت قريب في خانة المستحيلات و على رأسها الوصل إلى القمر، و الصين استغرقها 30 عاما فقط لتحقق كل هذا التقدم الاقتصادي و ستستغرقها عشرات سنوات إضافية لغزو العالم أجمع عبر هذا المشروع و موريتانيا و عن طريق التعاون تستطيع أن تحقق لنفسها قفزة داخلية ستسهم في رسم خريطتها الاقتصادية على أن تحقق قفزات في السنوات القادمة.