الصين جندت كل إمكانياتها للتغلب على مرض فيروس كورونا الجديد “كوفيد_19”.
بقلم | ذ . أمين سامي ( خبير و إستشاري مغربي في التخطيط الاستراتيجي )
إن التطور الحاصل ليس هو وليد اللحظة بل هو طريق ومدة زمنية لا يستهان بها من الاشتغال واستراتيجية مدروسة بدقة محكمة . فكما نعلم جميعا أن الإستراتيجية هي فعل جماعي في المستقبل وبالتالي وجب طرح التساؤل هل نعطي الأولوية للفعل و غاياته؟ أم للجماعة وانسجامها؟
إن المدرسة الغربية تعطي الأولوية للفعل و غاياته وذلك نظرا لأسباب براجماتية و إيديولوجية فانتجت لنا مجتمع سياسي عكس المدرسة الصينية التي تعطي الأولوية للجماعة و انسجامها لأسباب ديمغرافية وتاريخية فأنتجت لنا مجتمع استراتيجي وهنا الفرق فلا يمكن المقارنة بين دولة اشتغلت وعبأت كل إمكانياتها لإنتاج مجتمع استراتيجي ومدرسة غربية أنتجت مجتمع سياسي فالأول يشتغل وفق رؤية موحدة تخدم مصالح الوحدة والجماعة في حين أن المجتمع السياسي يشتغل وفق ايديولوجية سياسية تخدم مصالحه السياسية وهذا فرق شاسع. ويتضح الفرق جليا في تدبير الأزمة.
إن العالم اليوم يشهد وسيشهد تطورات هامة ومهمة في ظل تطور فيروس covid-19 وفي ظل تطور وظهور عصر الأوبئة ، حيث ستحصل تطورات على مستوى العلاقات الدولية ، تطورات على مستوى الزعامة والريادة في العالم تطورات وتحولات على مستوى إعادة التدفقات المالية ، فالعصر القادم سيشكل تهديدا للدول النامية و الدول السائرة في طريق النمو ولكنه فرصة للدول ذات المجتمعات الإستراتيجية لانه سيتيح لها تشكيل العالم من جديد وتحديد معالم النموذج التنموي العالمي الجديد.
إننا اليوم ونحن نعيش مع هذا المتغير الجديد الذي بدأت بوادر آثاره تظهر على اقتصادات الدول النامية يجعلنا نطرح السؤال الأهم وهو كيف استطاعت الصين الخروج من أزمتها مع أنها هي المصدر الأول للوباء وهي البؤرة الرئيسية للانتشار؟
الكثير من الأشخاص سيقولون إن الصين دولة قوية ولها الوسائل و المعدات جعلتها تتغلب على الأزمة إذا كان كذلك فلماذا لم تتغلب إيطاليا واسبانيا و فرنسا و بريطانيا على ألأزمة وهم ليسوا دول نامية أو سائرة في طريق النمو بل دول متقدمة ولها إمكانيات مهمة في المجال الصحي وتتوفر على طواقم طبية عالية وذات خبرة و لماذا اليوم أمريكا التي تحكم العالم أصبحت بؤرة للوباء ولم تتمكن من السيطرة عليه ؟
في اعتقادي الشخصي أن الوسائل و المعدات الطبية جزء من الحل . وبالتالي فإن الصين قامت بوضع إستراتيجية إدارة الأزمة واعتبرت البلد كشركة واحدة تشتغل بنظام العمليات systéme de processus .
وبالتالي عملت الصين على تقسيم العمل إلى 3 عمليات كبرى وهي : عمليات القيادة، عمليات الإنتاج، وأخيرا العمليات المساندة.
عمليات القيادة :
تجلى دور عمليات القيادة في المراقبة واستشراف الوضع الوبائي وتتبع تطوره والبحث عن حلول استشرافية وحلول جديدة من خارج الصندوق لإدارة الأزمة بشكل جيد فكان هذا دور مراكز البحث العلمي و المراكز البحثية و مراكز الدراسات الاستشرافية في مختلف المجالات سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو الصحية ، ….
عمليات الإنتاج :
وهذا كان دور عمل وزارة الصحة الصينية ومهنيي قطاع الصحة و مختبرات الأدوية و مختبرات التحاليل الطبية وكل المتدخلين بشكل مباشر في مجال الصحة وهذا ساعد على توحيد جهود العمل و تطويق المرض.
العمليات المساندة :
وأخيرا العمليات المساندة وهذا كان عمل القطاعات الحكومية الأخرى و المجتمع المدني الصيني و كل شرائح المجتمع التي ساهمت و ساعدت في التنزيل الحرفي للإجراءات التي اتخدتها القيادة الصينية .
فالصين جندت كل إمكانياتها للتغلب على المرض وهذا ما كان وبالتالي فنجاح الصين ليس مرتبط بتعبئة الوسائل بل مرتبط بإعادة تنظيم الموارد بشكل أفضل . ومن هنا لا يمكن تغيير النتيجة بالاعتماد على نفس الوسائل ونفس الاستعدادات بل لابد من إعادة النظر في طريقة تعاملنا مع covid-19 بشكل مختلف وذكي كي نحقق نتيجة مختلفة فعالة و إيجابية في الأداء.
وفي الأخير إن أغلب الدول كيفما كانت عندما تصلها الأزمة تحاول بناء جدار بينها و بين الأزمة للحيلولة دون الوصول إليها ولكن القل القليل مثل الصين التي رأت في الأزمة فرصة لها فأنقدت اقتصادها حفاظا على حقوق الأجيال القادمة و استغلت الأزمة بشكل جيد لتحقيق مكاسب كبيرة.
إننا اليوم مطالبين باستيراد اللاعبين في مختلف المجالات لمواجهة الأخطار القادمة وفي المقابل علينا إعادة النظر في طريقة تعاملنا مع لاعبينا كي نستفيد منهم مستقبلا في مواجهة الأزمات القادمة.