التطلع إلى المستقبل في عالم مضطرب: الإنجازات المتعددة لمبادرة “الحزام والطريق” بين الصين والدول العربية
بقلم: ريماس الصينية صحفية في CGTN العربية

يشهد العالم اليوم تغيرات كبرى غير مسبوقة منذ قرن من الزمان، معتصاعد الأحادية والحمائية، واحتدام النزاعات الجيوسياسية، ومواجهةالتعافي الاقتصادي العالمي تحديات جسيمة. في ظل هذا الوضعالمعقد، تواصل الصين التمسك بسياسة الانفتاح على الخارج كخياراستراتيجي أساسي، ليس فقط لدفع تنميتها الخاصة، بل أيضا لضخزخم جديد في التعاون الدولي وتحقيق المكاسب المشتركة. ومنذ إطلاقمبادرة “الحزام والطريق“، تعزز التعاون بين الصين والدول العربيةباستمرار، ليصبح نموذجاً بارزاً للتعاون بين بلدان الجنوب علىالساحة الدولية.
في إطار التعاون لبناء “الحزام والطريق“، تمسك الجانبان بمبادئ“التشاور المشترك، البناء المشترك، والمنفعة المتبادلة“، مما أدى إلىتعزيز الثقة السياسية المتبادلة، وتحقيق نتائج مثمرة في التعاونالعملي، وتوسيع نطاق التبادلات الثقافية والإنسانية. يسلط هذا المقالالضوء على الإنجازات الملموسة للتعاون الصيني العربي، من خلالاستعراض سياسة الانفتاح الصينية ومبادرة “الحزام والطريق“.
التوسع المستمر للانفتاح الصيني
يشكل الانفتاح سمة بارزة للصين المعاصرة. فمنذ عام 1978، انطلقتالصين في مسيرة الإصلاح والانفتاح عبر إنشاء مناطق اقتصاديةخاصة، ومدن ساحلية مفتوحة، ومناطق تجريبية للتجارة الحرة، مماأسهم في بناء نمط انفتاح شامل ومتعدد المستويات والأبعاد.
وفي العصر الجديد، مضت الصين قدماً في تعميق الانفتاح من خلالتقليص القائمة السلبية للاستثمار الأجنبي، وتنفيذ اتفاقية الشراكةالاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP)، والتقدم بطلب الانضمام إلىاتفاقية الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ (CPTPP)،مما رفع مستوى تحرير التجارة وتسهيل الاستثمار.
وفي الوقت ذاته، أطلقت الصين مشروع ميناء هاينان للتجارة الحرة،وسعت إلى بناء سوق وطنية موحدة، وتهيئة بيئة أعمال من الطرازالعالمي. هذه الإجراءات تعكس التزام الصين بانفتاح أوسع وأعمق،مما يضخ قوة دافعة قوية في النمو الاقتصادي العالمي، ويوفر فرصاًأرحب لتعزيز التعاون الصيني العربي.
مبادرة “الحزام والطريق“: ربط الأحلام وتحقيق المكاسبالمشتركة
في عام 2013، طرحت الصين مبادرة “الحزام والطريق” بهدف تعزيزالتواصل السياسي، وترابط البنية التحتية، وانسياب التجارة، وتدفقرؤوس الأموال، والتواصل بين الشعوب، عبر بناء منصة تعاون دوليمنفتحة وشاملة ومربحة لجميع الأطراف.
حتى الآن، وقعت أكثر من 150 دولة وأكثر من 30 منظمة دوليةاتفاقيات تعاون مع الصين. وتُعد الدول العربية شريكاً طبيعياً لمبادرة“الحزام والطريق“، حيث استجابت بحماس وشاركت بفعالية، مماجعلها قوة رئيسية في دفع المبادرة إلى الأمام.
وفي سبيل تعزيز التعاون، أُنشئت آليات متعددة الأطراف مثل منتدىالتعاون الصيني العربي. وفي أبريل 2025، انعقدت الدورة الحاديةعشرة لمؤتمر رجال الأعمال الصينيين والعرب في مقاطعة هاينانالصينية، تحت شعار “بناء خمسة أنماط من التعاون وتسريع بناءمجتمع مصير مشترك“.
جمع المؤتمر ممثلين من الحكومات والقطاعات الاقتصادية والمالية منالجانبين، وتم خلاله تبادل وجهات النظر حول التجارة والاستثمار،والاقتصاد الأخضر منخفض الكربون، والاقتصاد الرقمي، والذكاءالاصطناعي. كما أُبرمت عدة اتفاقيات تعاون، مما عكس الزخم القويللتعاون العملي والمنفعة المتبادلة بين الصين والدول العربية في إطارالمبادرة.
مجالات التعاون بين الصين والدول العربية
1. البنية التحتية: مد جسور المستقبل
حقق التعاون الصيني العربي في مجال البنية التحتية إنجازاتملحوظة، حيث شاركت الشركات الصينية بنشاط في مشروعات بناءالموانئ والسكك الحديدية والطرق وشبكات الكهرباء في الدول العربية،مما أسهم في دفع التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
في الإمارات العربية المتحدة، تولت شركة “تشاينا ميرشانتس بورت” مشروع توسعة ميناء خليفة، ما عزز قدرته اللوجستية وجعله مركزاًمحورياً يربط بين الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب آسيا.
وفي مصر، ساهمت شركة البناء الصينية في تطوير المنطقة التجاريةالمركزية للعاصمة الإدارية الجديدة، بما في ذلك بناء “برج الأيقونة“،الذي يُعد أعلى مبنى في الشرق الأوسط وأفريقيا بارتفاع يزيد عن380 متراً، ليصبح معلما بارزا للتعاون الصيني المصري.
أما في الجزائر، فقد شاركت الشركات الصينية في تشييد الطريقالسيار شرق ـ غرب الذي يمتد على طول 1216 كيلومترا، والذييوصف بأنه “مشروع القرن“، مما سهل الحركة وعزز الترابطالإقليمي.
هذه المشروعات لم تقتصر على تحسين البنية التحتية فحسب، بلخلقت أيضاً فرص عمل واسعة ودربت الكفاءات المحلية، وأسهمت فيدعم خطط التنويع الاقتصادي للدول العربية.
2. الطاقة: بين الشراكة التقليدية والتحول الأخضر
لطالما شكلت الطاقة محورا أساسيا للتعاون الصيني العربي. فالصينأكبر مستهلك للطاقة عالمياً، والدول العربية من أكبر موردي الطاقة،مما أرسى أساساً متيناً للشراكة بين الطرفين في مجالات النفطوالغاز والطاقة المتجددة.
أقامت الشركات الصينية شراكات استراتيجية طويلة الأمد مع شركاتمثل “أرامكو” السعودية و“أدنوك” الإماراتية، شملت استكشافوإنتاج وتكرير النفط. وفي مجال الطاقة المتجددة، أنشأت الشركاتالصينية محطات طاقة شمسية ضخمة، مثل محطة “سكاكا” فيالسعودية، وشاركت في بناء مشروع “نور أبوظبي“، أكبر محطةللطاقة الشمسية الأحادية في العالم. كما تقدم الصين تقنياتهاالمتطورة في مجالات طاقة الرياح والطاقة الشمسية والهيدروجين،لدعم الدول العربية في تحقيق أهداف التحول إلى الطاقة النظيفةوخفض الانبعاثات الكربونية.
يتطور التعاون في مجال الطاقة من تجارة النفط التقليدية إلى شراكةمتكاملة تقوم على الابتكار والاستدامة.
3. الاقتصاد الرقمي والتكنولوجيا المتقدمة: تشكيل تنافسيةالمستقبل
مع تسارع الثورة الصناعية الرابعة، عززت الصين والدول العربيةتعاونهما في مجالات الاقتصاد الرقمي والتكنولوجيا المتطورة.
في قطاع الجيل الخامس (5G)، تعاونت شركات مثل “هواوي” و“زدتي إي” مع دول مثل السعودية والإمارات ومصر، لدعم بناء المدنالذكية وتعزيز البنية التحتية الرقمية. وفي التجارة الإلكترونية، سعتالصين إلى بناء “طريق الحرير الرقمي” بالتعاون مع الدول العربية،حيث توسعت منصات مثل “علي بابا” و“جينغ دونغ” في أسواقالشرق الأوسط. وفي مجال الذكاء الاصطناعي، أنشأت الصينوالإمارات مركز التعاون الصيني العربي للبيانات الضخمة، مع تركيزمشترك على تطبيقات النقل الذكي، والرعاية الصحية الذكية، والتعليمالذكي.
تسهم هذه المبادرات في تعزيز القدرات الابتكارية للدول العربية، ودعمتحولها نحو اقتصاد مستدام قائم على المعرفة.
4. التعاون المالي: تمويل التنمية وتعزيز الترابط
مع ازدياد حجم التبادل التجاري والاستثماري بين الصين والدولالعربية، تعمق التعاون المالي بين الطرفين.
افتتحت بنوك صينية كبرى مثل بنك الصين والبنك الصناعي والتجاريفروعا في الإمارات والسعودية ومصر، لتقديم خدمات مالية متكاملةللشركات والمستثمرين.
كما تدعم العديد من الدول العربية استخدام اليوان الصيني فيالتجارة والاستثمار، مما ساهم في تعزيز مكانة العملة الصينية علىالساحة الدولية.
وفي إطار “الحزام والطريق“، أنشأ الجانبان صناديق استثماريةلدعم المشاريع الكبرى، مما عزز الترابط المالي ورفع كفاءة التعاون.
5. التبادلات الثقافية: بناء جسور التفاهم بين الشعوب
تُعد التبادلات الثقافية والإنسانية ركنا أساسيا في العلاقات الصينيةالعربية.
في مجال التعليم، أقيمت معاهد كونفوشيوس ومراكز تعليم اللغةالصينية في دول مثل مصر والسعودية والإمارات، وشهدت إقبالاًمتزايداً من الشباب العربي على تعلم اللغة والثقافة الصينية. وفيالمجال الثقافي، نظمت الصين والدول العربية فعاليات متنوعة مثل“عام الثقافة الصينية العربية” و“أسبوع السينما الصينية“، مما عززالتقارب والتفاهم المتبادل. وفي قطاع السياحة، ازداد عدد السياحالصينيين المتجهين إلى وجهات عربية مثل دبي وأبوظبي وشرم الشيخ،كما تزايد عدد السياح العرب الذين يزورون الصين.
أسهمت هذه التبادلات في بناء جسور متينة للتواصل، ودعمت أسسالتعاون طويل الأمد بين الجانبين.
من نقطة انطلاق تاريخية جديدة، تواصل الصين والدول العربية تعزيزتعاونهما عبر مبادرة “الحزام والطريق“، مستندين إلى مبادئ الانفتاحوالتعاون العملي، لبناء نموذج عالمي للتعاون المربح لجميع الأطراف.وفي ظل التغيرات العميقة التي يشهدها النظام الدولي، لا يقتصرالتعاون الصيني العربي على تحسين حياة شعبي الجانبين، بل يسهمأيضا في دعم السلام والاستقرار والازدهار الإقليمي والعالمي.وبالاستفادة من الإنجازات المحققة، سيمضي الجانبان قدما نحو فتحآفاق جديدة لمستقبل مشرق ومزدهر للتعاون المشترك.