التعاون الاقتصادي بين موريتانيا والصين: الواقع والتحديات
بقلم: صبحي ولد ودادي
- مجالات التعاون الاقتصادي بين موريتانيا والصين:
- دعم التنمية
- تمويل التنمية
- آفاق وتحديات التعاون الاقتصادي الصيني الموريتاني:
شهدت العلاقات الصينية- الإفريقية في العقد الأخير قفزة كبيرة، يُغذيها الانفتاح المتزايد للصين، المصحوبِ بدعم تنموي واجتماعي سخي للقارة السمراء، كما يُغذيها من جهة أخرى تطلع الجانب الإفريقي للبحث عن شراكة مربحة- مربحة، تُنهي ثقافة التعامل الاقتصادي القائمة على أسس احتكارية مشحونة في الغالب بنفَسٍ من رواسب وتراكمات الحقب الاستعمارية.
وعلى هذه الخلفية نشأت العلاقات الموريتانية الصينية التي تأسست منذ عقود، وتحديدا في يوليو عام 1965. وقد أدت سياسة الصين القائمة على قربها من بلدان العالم الثالث فضلا عن عدمِ وجود ماض استعماري لها في افريقيا إلى تقارب سياسات البلدين، وهو ما تُرجم في مساندة موريتانيا للصين في موقفها الديبلوماسية، كما تجسد في الاهتمام المبكر للصين بموريتانيا من خلال مساعدتها في إنجاز أكبر المشاريع التنموية للدولة الوليدة: (الميناء البحري الوحيد الذي تطل من خلاله موريتانيا على العالم، عددٌ من المستشفيات الكبيرة، مباني عدد من الوزارات بما فيها الوزارة الأولى ووزارة الخارجية، بل والقصر الرئاسي وقصر المؤتمرات..) وكلها تمثل اليوم أهم معالم البنية التحتية للدولة الموريتانية.
وقد تُوج هذا التعاون باتفاقيات عديدة، وباستثمارات مباشرة، وبتطور كبير للتجارة البينية، حتى غدا حجم التبادل بين موريتانيا والصين يمثل 28.24% من حجم التبادل التجاري مع بقية دول العالم.
وستُعنى هذه الورقة باستعراض مجالات التعاون المختلفة بين موريتانيا والصين من خلال جمع المعطيات المتناثرة لتشكل مرجعا جامعا في هذا الموضوع، دون إغفال ما أثير حول بعض جوانب هذا التعاون من اعتراضات وانتقادات، كما هو حال اتفاقية الصيد البحري التي أبرمت بين موريتانيا والصين في 2011، وووجهت بانتقادات ونقاشات في البرلمان الموريتاني حادة.
توطئة عن التعاون الافريقي الصيني:
لفهم خصوصية العلاقات الاقتصادية بين موريتانيا والصين يلزم الإلمام بمسار العلاقات الصينية الافريقية التي تأسست على ثنائية المصالح المشتركة وعلى الصداقة البينية التي يمكن أن تشكل أساسا عادلا تحتاجه افريقيا في علاقاتها الدولية، وتضمن موطئ قدم للصين في قارة تزخر بالمواد الأولية ومصادر الطاقة، ويمكنها موقعها الفريد من الإتصال عبر منافذ بحرية متعددة بقارات العالم المختلفة.
وقد ظلت الصين تدعو إلى علاقات اقتصادية قائمة على أساس “المساواة والمنفعة المتبادلة، الاهتمام بالنتائج الفعلية، تنويع الأشكال، التنمية المشتركة”[1]، وهي سياسات يحتفي بها الأفارقة باعتبارها تعدل العلاقات الاقتصادية القائمة بين الشمال والجنوب والتي بنيت على أساس من عدم الندية وعلى استغلال ميزان القوى الاقتصادي والتكنلوجي والعسكري لصالح دول المركز.
ومن الواضح أن الصينيين يعون هذا الاختلاف الذي يمكن أن يشكل ميزة تفضيلية للصين في منافستها للفاعلين الدوليين في القارة: فـ “الصين وإفريقيا قد تعرضتا لمعاناة متشابهة في الماضي، وظلتا تتعاطفان مع بعضهما البعض وتدعمان بعضا في نضالهما لتحقيق التحرر الوطني، فأقامتا صداقة عميقة بينهما”[2].
على هذا الأساس تشكل تلاق مصالح مشتركة بين الجانبين؛” فلجمهورية الصين مصالح واضحة في إفريقيا: الموارد وتأمين الطاقة والدخول في الأسواق والدعم الدبلوماسي الدولي خاصة في جهودها الرامية إلي عزل تايوان ومن ثم استعادتها، ثم إن إفريقيا كذلك لها مصالح واضحة، فهي تحتاج الصين؛ لأنها توفر مصدرا بديلا للتمويل في إفريقيا، وتوفر مؤسساتها بشكل سريع سلعا رخيصة وخدمات وقروض يحتاجها المواطن الإفريقي”([3]).
مع ذلك يجب الاعتراف للصين أن اهتمامها بافريقيا لم يكن وليد استحقاقات العولمة التي فتحت أعين لاعبين دوليين عديدين على الإمكانات الهائلة من موارد وقوى عمل وأسواق في القارة السمراء، فمنذ عقود كانت الصين تبشر بتصورها في بناء علاقات متوازنة أساسها الصداقة بين الطرفين، وابتداء من القرن الجديد شهد مسار العلاقات الصينية الافريقية تطورا ملحوظا مع تأسيس منتدى التعاون الصيني الافريقي FOCAC الذي مثل الإطار الرئيسي للتشاور والحوار بين الصين والقارة الأفريقية، وقد تأسس بمبادرة صينية وعقد مؤتمره الأول ببكين في الفترة من 10 إلى 12 أكتوبر 2000 .
يضم المنتدى في عضويته أغلب الدول الافريقية (49 دولة افريقية) ويعقد مؤتمرا وزاريا كل ثلاث سنوات، وكانت آخر دورة نظمها المنتدى هي المؤتمر الخامس الذي أقيم في بكين 19 يوليو 2012، ويصادق المؤتمرون في نهاية كل دورة على خطة لتعزيز الشراكة الصينية – الافريقية الاستراتيجية من تطوير التبادل التجاري وتعزيز التعاون في الاستثمار والتمويل وتعزيز الأطر الفرعية التي تشكل آليات عمل تنفيذ سياسات التعاون الاقتصادي مثل منتدى الأعمال الصيني الإفريقي والغرفة الأفريقية الصينية المشتركة للتجارة والصناعة.
“وقد بلغ حجم التجارة الثنائية بين الصين والبلدان الإفريقية 160 مليار دولار أمريكي في عام 2011، واستمرت الصين في تقديم مساعداتها التنموية إلي القارة الأفريقية وأعفت 32 دولة افريقية من ديونها ورفعت عدد السلع الأفريقية المعفاة من الرسوم الجمركية إلي 446 نوعا”.
وعلى صعيد آخر قدمت افريقيا للصين دعما ديبلوماسيا قويا في القضايا الدولية، وفي دعم إعادة توحيد الصين وعدم الاعتراف بتايوان.
مجالات التعاون الاقتصادي بين موريتانيا والصين:
عرفت العلاقات الموريتانية الصينية نشأة مبكرة كما أشرنا في المقدمة، وقد تم تأسيس هذه العلاقات على ركيزتين مهمتين: العلاقات السياسية المتعلقة بتقارب وجهتي نظر الطرفين في القضايا الدولية، والأساس الثاني هو التعاون الاقتصادي الذي انطلق مبكرا مع اتفاقية التعاون في المجال الإقتصادي والتجاري سنة 1967م والتي تم تجديدها سنة 2004 كما تم تأطير ورعاية هذه العلاقات الاقتصادية من خلال إنشاء اللجنة المشتركة الموريتانية الصينية سنة 1984م.
وسنتعرض في الفقرات التالية لمجالات التعاون الاقتصادي بين البلدين:
تمويل التنمية:
يشكل تمويل التنمية أحد الاحتياجات البارزة للدول النامية بفعل عجز الموارد المحلية واختلال ميزان المدفوعات وتعدد احتياجات التنمية وضعف حركة التطور الاقتصادي، وقد أدت هذه المشكلة إلى اللجوء إلى التمويل الدولي والاقتراض الخارجي وهو ما أحدث معضلة المديونية والتي فاقمت المشاكل التنموية، وفي هذا الإطار شكلت القروض الميسرة التي تقدمها الصين لموريتانيا مساهمة هامة في تمويل التنمية.
وتتوزع هذه القروض على مجالات مختلفة لتغطي مختلف أوجه الاحتياجات التنموية من توفير الخدمات العمومية من خلال إنشاء البنى التحتية إلى دعم الموارد البشرية من خلال التكوين ونقل الخبرات والبعثات الصحية والتعليم إضافة إلى الدعم المؤسسي لمختلف القطاعات المهمة، وفي السنوات الأخيرة أصبح البلدان يتبعان سياسة جديدة من خلال إبرام اتفاقية تعاون اقتصادي وفني تغطى بمبلغ كلي ويتم الاتفاق لاحقا على أوجه تنفيذ وتسيير هذا القرض.
ويبلغ حجم القروض التي منحت الصين لموريتانيا منذ انطلاقة العلاقات الاقتصادية بين البلدين 188.691.560.000 أوقية.
فيما يبلغ حجم هذه القروض في العقد الأخير:168 مليار و333 مليون أوقية منها 40 مليار و107 مليون أوقية قرضا من اكسيم بانك، فيما منحت الحكومة الصينية بقية القروض.
وكنموذج على طبيعة هذه القروض الميسرة فإن اتفاق التعاون الإقتصادي والفني الموقع بتاريخ 12 دجمبر2013 في نواكشوط بين موريتانيا والصين والمخصص لتمويل مشاريع التعاون الإقتصادي والتجاري بين البلدين يبلغ مايعادل عشرة (10) مليارات أوقية سيتم تسديدها بدون فائدة على مدى عشرين سنة بما فيها 10 سنوات إعفاء، ويسمح هذا الإتفاق الحالي بتمويل مشاريع تنموية يتم الاتفاق عليها لاحقا.
وقد مكنت هذه القروض من تيسير تقديم الخدمات العامة كما ساهمت مساهمة بالغة في تحريك الوضع الاقتصادي من خلال إيجاد مصادر لتمويل مشاريع البنى التحتية ومشاريع خدمات الصحة والتعليم والمياه وغيرها.
دعم التنمية:
أسهمت الصين إسهاما بالغا في دعم التنمية في موريتانيا من خلال المشاركة في مشروعات البنية التحتية وفي الدعم المؤسسي وفي دعم الموازنة وغيرها، وهي هبات تمتاز بكونها مؤسسة على الصداقة وليست على المقايضات السياسية ولا تتبع بضغوط لتوجيه السياسات المختلفة كما هو الحال في التمويل الدولي غالبا.
وقد بلغ حجم الهبات منذ تأسيس العلاقات الاقتصادية بين موريتانيا والصين: 73,331,660,000 أوقية أي ما يعادل 1.745.840.000 إيوان.
وقد شملت تلك الهبات أهم القطاعات الحيوية مثل التنمية الريفية والصحة والتعليم وغيرها.
الاستثمارات الصينية المباشرة في موريتانيا:
بلغ حجم أعمال الشركات الصينية المقاولة في مو ريتانيا أرقاما معتبرة وتشمل هذه المقاولات مجالات الصيد والإنشاءات والمعادن والمياه وبعض المقاولات الصغيرة.
ومن بين أشهر الاستثمارات نشاط شركة “هوندونك” التي أثارت اتفاقيتها لغطا إعلاميا وسياسيا واسعا، وقد استثمرت المؤسسة 100.000.000 دولار في مجال الصيد، وفق اتفاقية موقعة بينها مع وزارة الصيد والاقتصاد البحري يمتد العمل بها لمدة 25 سنة، وبموجب تلك الاتفاقية تقوم الشركة ببناء مجمع صناعي يضم مصنعا لتحويل الأسماك ومجمعا للتبريد ومصنعا للثلج ومصنعا لدقيق السمك وورشة لتصنيع زوارق الصيد التقليدي ومركزا للتأهيل وإعادة التأهيل على أن يتم إنجاز هذا الاستثمار في أجل لا يتجاوز 6 سنوات، في مقابل هذا الاستثمار تمنح الدولة الموريتانية للشركة الصينية ضمانات ومزايا مالية وقانونية وتجارية مهمة؛ حيث نصت الاتفاقية على حق الشركة في الولوج المباشر وغير المباشر للموارد، بالإضافة إلى تطبيق نظام جمركي وضريبي مميزين وتتعهد الشركة بتوفير 2463 فرصة عمل ونقل الخبرة في المجال الذي تمارس فيه نشاطها، وتقديم موارد مالية للحكومة الموريتانية.
آفاق وتحديات التعاون الاقتصادي الصيني الموريتاني:
التبادل التجاري.. الخلل وضعف الجودة: توسع التبادل التجاري بين موريتانيا والصين بحيث غدت السوق الصينية مصدرا رئيسيا للسوق الموريتانية في المستوردات الاستهلاكية المختلفة وحتى التجهيزات والمعدات، كما تعتبر موريتانيا مصدرا رئيسيا للأسماك والحديد للصين، وقد بلغت الصادرات الموريتانية للصين 225.284 مليون أوقية سنة 2012 في حين وصلت الواردات الموريتانية من الصين في نفس السنة إلى ,936.074 مليون أوقية. وهو رقم كبير في مجموع الواردات الموريتانية التي وصلت في هذه الســنة,8 689.617 مليون أوقية.
إن التحدي المتعلق بهذا الموضوع هو ضرورة سعي الصين إلى تحقيق المنافسة العالية لمنتوجاتها وفتح أسواق موريتانيا وافريقيا أمام منتجاتها من خلال تطوير سلعها المصدرة إلى افريقيا وتحقيق ميزات تنافسية لهذه السلع التي غدت سمعتها في السوق سيئة بفعل التمالؤ بين الموردين وبفعل سياسة الرخص التي تتبعها الصين والتي لا تحقق في نظرنا انتشارا واسعا ودائما في الأسواق.
تعزيز الاستثمارات الصينية في موريتانيا وتطوير هذه الاستثمارات بحيث تتعدى مستوى المقاولات الصغيرة جدا، والتي قد تشكل سببا للاحتكاك ومنافسة العمالة المحلية إلى مستوى الاستثمارات الكبيرة التي تحرك النشاط الاقتصادي، ونظرا لوضعية موريتانيا كاقتصاد ناشئ وفي ظل التسهيلات والسياسات الحكومية التي تسعى لخلق بيئة ستثمارية موائمة فإن الصين مدعوة لمنافسة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مجالات الصناعات الاستخراجية والزراعة والخدمات وفي مجالات أخرى عديدة خصوصا في ظل إطلاق المنطقة الحرة في نواذيبو.
وأخيرا..
شراكة شعوب لا دعم أنظمة: لقد أصابت علاقات البلدان العالمثالثية ببلدان المركز انتكاسات متوالية، وهناك إحساس بالغبن لدى شعوب هذه البلدان وعدم ثقة في شعارات الحكومات الأوروبية وحكومات أمريكا بسبب الخبرة التاريخية لشعوب المنطقة التي أثبتت أن هذه البلدان فرطت في المصالح العليا لبلدان الجنوب من خلال التمالئ مع أنظمة فاسدة من خلال عملية تراض تبيع من خلاله هذه الحكومات توفير الشرعية السياسية والغطاء السياسي والأمني لهذه الأنظمة مقابل النهب الممنهج لثروات أمم الجنوب، وهو ما يوجب على الصين وهي تسعى لخلق شراكة استراتيجية ان تؤسس لهذه الشراكة مع الشعوب وان تلعب دورا رياديا في تعديل هذا الوضع الامبريالي في التعاطي مع شعوب المنطقة، فتكون شراكتها مع شعوب وليست مع أنظمة يمكَّن لها من خلال الدعم السياسي والاقتصادي.
وهو ما يمكن تجسيده من خلال بناء علاقات اقتصادية وسياسية شفافة تبتعد عن الزبونية مع أي نظام، كما تتأسس على الشفافية ومحاربة الفساد، بحيث تصبح العلاقات الاقتصادية مترجمة فعلا لشراكة المصالح المتبادلة وللعدالة، وهو ما سيمكن الصين من لعب دور بنائي، ويغلب النظر إلى تدخلاتها باعتبارها صداقة ودعما تنمويا لابحسبانها انتهازية وتمالؤا مع نظام أو استغلالا لحاجة شعب.
إن الحديث عن الفساد في صياغة الاتفاقات الاقتصادية وضعف الاهتمام بالمعايير الدولية للشفافية في إدارة وتسيير المشاريع العامة سيشكل ضربة قوية لرسوخ العلاقات الاقتصادية بين البلدين، ويُضعف الاحتضان المجتمعي لهذه العلاقات وهو أمر يحرص عليه الصينيون كما يحرص عليه الموريتانيون.
) وثيقة سياسات الصين في افريقيا الصادرة في بكين 12 يناير 2006. [1] [2] ) مضامين مبثوثة في وثيقة سياسات الصين في افريقيا.
[3] ) العلاقات الصينية الإفريقية.. الديمقراطية والتوزيع: