اقتصاد وأعمالثقافةسياسةمواضيع مختارة

الصين بالقيادة الأخلاقية و الفكر التنموي تبني مجتمع المستقبل المشترك للبشرية

بقلم وائل خليل ياسين / رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات و التنمية

لم يعد الحديث عن الصين مجرد صناعات تقليدية و قوة اقتصادية في العالم ، انما هي ايضاً محور استراتيجي متداخل بين السياسة المرنة والتطور الفكري انطلاقاً من مبدأ الانفتاح في قدرة الحكم في الصين على ادارة بلاد تعداد سكانها ثمن الكرة الأرضية تُكرس همها الاساسي في التنمية المستدامة بكافة المحاور المجتمعية، بما فيها من اثنيات وثقافات واختلافات. فالصين ليست من الفراغ تدعو إلى مفهوم الأمن المشترك والشامل والتعاوني المستدام بين الدول، وليس بسيطاً أنها لا تتعاطى سياسة فرض فائض القوة لابتزاز الضعفاء.
وهذا ما ينطبق في علاقتها ورؤيتها لتعزبز التعاون في الشرق الأوسط، وأهمها تمتين دعم البلدان العربية والإقليمية في جهودها الرامية إلى بناء آلية أمن إقليمية شاملة ومشتركة للتعاون الجماعي، من أجل تحقيق السلام والازدهار والتنمية على المدى الطويل في الشرق الأوسط. دون المرور في اتون التوسع الاستعماري.
فكما معروف أن الصين تعارض وتدين بحزم جميع أشكال الإرهاب، انما أيضاً لم يسجل انها دعمت أية مجموعة ارهابية، وبالتالي تعارض اقتران الإرهاب بأية مجموعة عرقية أو دين محدد، فضلاً عن ازدواجية المعايير.
وهي تدعم جهود الدول العربية والإقليمية في مكافحة الإرهاب وتدعم بناء قدراتها في مجال مكافحة الإرهاب. وربما يختلف المحللون على تفسير التعاون الصيني الايراني والذي يُعتبر الأخير بنظر الكثيرين داعماً للارهاب من خلال دعم ايران لمنظمات حزب الله في لبنان وسوريا وفيلق القدس والحشد الشعبي في العراق والحوثي في اليمن، و يحاول الاعلام المناهض للصين و البعض الآخر المدعوم ايرانيا تسويق أن التعاون الصيني الايراني ينسحب ايضاً على دعم تدخلاتها في دول الجوار و ذلك بهدف دق إسفين في العلاقات الصينية العربية ولكن ما يغيب عن الأذهان أن الصين ورغم تمسكها بالحفاظ على حقوق الشعوب و الدفاع عنهم و في مقدمتها القضية الفلسطينية الا انها لا تفتح علاقات مع تنظيمات مسلحة و إنما تعتمد على العلاقات مع الدول و المؤسسات الشرعية وفق ما تنص عليه قواعد العلاقات الدولية محافظةً على مبدء سيادة الدول واستقلالها و قرارها الحر ، وبالتالي فإن علاقتها مع ايران مشروعةً وتنطلق من هذه المبادىء كعلاقة اي دولتين صديقتين يوجد بينهما مصالح مشتركة مميزة ، و في المقابل تؤكد الصين أيضاً على علاقاتها المميزة و الاستراتيجية من مع الدول العربية و تسعى بشكلٍ كبير لتعزيزها ، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية ومصر والامارات العربية المتحدة والعراق .
وهذا يثبت الاعتقاد الصيني القائم أن مكافحة الإرهاب تحتاج إلى تدابير شاملة لمعالجة الأعراض والأسباب الجذرية على حد سواء، وأن عمليات مكافحة الإرهاب ينبغي أن تمتثل لمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة والمعايير الدولية، وأن تحترم سيادة جميع البلدان واستقلالها وسلامتها الإقليمية.
وفي هذا الصدد تؤكد الصين استعدادها لتعزيز التبادلات والتعاون فى مجال مكافحة الارهاب مع الدول العربية لاقامة الية تعاون امنى طويلة الاجل، وتعزيز الحوار حول السياسات وتبادل المعلومات المخابراتية، والقيام بالتعاون الفنى وتدريب الافراد من أجل مواجهة التهديدات بشكل مشترك .
وفي هذا الإطار يؤكد الباحثون الصينيون والديبلوماسية الصينية أن الادارة في بكين يهمها أن تُعرّف العالم المزيد عن إستراتيجيتها حول سلوك طريق التنمية السلمية، لتجعل المجتمع الدولي يرى ما شهدته من تطور ولكي يتعامل معها بطريقة صحيحة. فالصين ترفض أن يكون تحقيق التنمية على حساب مصالح الدول الأخرى، ولن تلقي مشكلاتها على الآخرين. ويهمها تحقيق السلام والتنمية المشتركة، والتمسك بالنظام التجاري المتعدد الأطراف، لذا اعتمدت المشاركة في حوكمة الاقتصاد العالمي. وهي بذلك تدفع لبناء نمط جديد للعلاقات بين الدول الكبيرة، من خلال السير قدما مع تيار تقدم العصر ودفع التنمية السلمية في العالم، وبناء العلاقات الجديدة النمط بين الدول الكبيرة و منها الصين والولايات المتحدة الأمريكية، لتدعيم بناء جسر الصداقة والتعاون بين قارتي آسيا وأوروبا.
ليس صحيحاً ما تحاول ان تروجه الادارة الامريكية عبر أبواق استخبارية في منطقة الشرق الأوسط عن أن الصين لها اطماع اقتصادية واستثمارية على حساب شعوب المنطقة، انما العكس فعلاً، لأن مشروع “الحزام والطريق” والذي يعني (الحزام الاقتصادي لطريق الحرير البري والبحري)،
فإن دل ذلك يدل على تمسك الصين بالمفهوم الدبلوماسي المتمثل في العلاقة الحميمة، والصدق، والمنفعة، والتسامح تجاه الدول. ما يؤكد أن الصين تهتم بتعزيز التضامن والتعاون مع الدول النامية، وذلك من خلال تطوير روح طريق الحرير، وتعميق التعاون الصيني- العربي الى جانب الصداقة والشراكة مع القارة السمراء، و الدفع لتشكيل شراكة أقوى بين الصين وأمريكا اللاتينية والكاريبي.

ولأن الصين تعتمد الأخلاق رفضت عبر التاريخ مسألة إنشاء الأحلاف العسكرية والإنخراط فبها، كونها تحمل عقلية الحرب الباردة وَتعزّز احتمالية حدوث التوترات والحروب, وهي تُفضّل في المقابل التركيز على بناء : شبكة واسعة من الشراكات الإستراتيجية معتمدة في ذلك على قوتّها الإقتصادية المتنامية حيث وقّعّت الصين رسمياً بحلول يوليو 2019 شراكات إستراتيجية مع 110 دولة ومنظمة إقليمية و هذه المقاربة تساعد الصين على خلق بيئة تعاونية متعدّدة الأقطاب مواتية لها ومعادية لنزعة الهيمنة الأمريكي فمن خلال آلية الشراكة الإستراتيجية بدلاً من الأحلاف توصل الصين رسالةً للعالم مفادها بأنّ العلاقات ما بين الدول لا ينبغي أن تتأتّر بالاختلافات في القيم أو المؤسّسات أو شكل الحكومات أو النظم الاجتماعية حيث يُسمح لكل دولةٍ أن تُحدّد مسارها التنموي ونظامها الاجتماعي والسياسي الخاصٌّ بها بعيداً من آي تدخل خارجي.

اما بخصوص التنافس الصيني-الأمريكي. المعطيات لا تؤشر لسيناريو الحرب الباردة بينهما على الطريقة الأمريكية – السوفياتية. فشروط الحرب الباردة غائبةٌ في حالة الصين والولايات المتحدة، حيث لا تدور الإختلافات القائمة بينهما حول قضايا إيديولوجية ويعتبر وجود الأسلحة النووية لدى الطرفين عاملاً مساعداً على وقوع الصراع العسكري بينهما، كما وان للعولمة عاملاً مهماً يضمن عدم تعرّض الصين أو الولايات المتحدة لفقدان المواد الخام أو الأسواق ، ويُشجّعٍ الإنترنت وأجهزة الكمبيوتر الإبتكارات التكنولوجية وتنقل التنافس إلى الفضاء السيبراني لدرجة لا تمتلك فيها أيُّ من الدولتين حوافز لغزو أراضي الآخرين، حيث ان القوتيّن تتفاعلان اليوم على نحو مكتّفٍ وعلى نطاقٍ أوسع مقارنةً بحالة الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي ما يوفر حوافز إيجابية لإرساء علاقاتٍ جيّدة و بناء الثقة بين الجانبين، كما يُعزَزْ التشابك الإقتصادي بينهما ذلك ويجعل من الحرب العسكرية وفك الإرتباط أمراً لا عقلانياً مُكلفاً ومضراً بهما و بالعالم أجمع . لذلك فإن وجود حربٍ باردةٍ جديدةٍ بين القوتْين ستكون ساحتها الرئيسية هي التنافس حول المكانة التي يحددها المجال الإقتصادي والإبتكار التكنولوجي بدلاً من القوة العسكرية, لذا يجب على البلدين نزع صفة الأمن عن الإبتكارات التكنولوجية وعدم عسكرتها نظراً لما للأخيرة من إستخدام مزدوج قد يدفع للصدام.
هذا المسار لم يأتِ من فراغ انما من ايديولوجيا على قاعدة ان القيادة الداخلية الصينية تتمتع بالصفات الكافية لتصنع مكانة القوى العظمى ، فان “جودة القيادة المحليّة” تجعلها تتفوّق على الولايات المتحدة الأميركية فيأتي تركيز الصين على جودة القيادة ليؤكّد أهميّة الاختيار البشري وقدرة القادة على تشكيل فرص السلام أو الحرب ، بالاضافة الى تمتعها بقيادةٍ نشطةٍ مُبادِرة و هذا النمط يهدف إلى تحسين وضع الدولة من خلال الوسائل السياسية و عبر إجراء إصلاحات محليّة تزيد من قوتّها؛ و هذا تمثل في عدة قرارات قيادية شكلت مشروع “حلم الإحياء العظيم للأمة الصينية” الذي أعلن عنه الرئيس تشي جي بينغ سنة 2012.
هذا ما يجعل من إصرار الصين على الانفتاح بكافة اوجهه الايديولوجية والاجتماعية والاقتصادية، مهمة إلزامية لدى القيادة، بذهنيتها الفتية ونشاطها الواسع ، من أجل تعزيز مكانتها الدولية وتوسيع دائرة الشركاء المؤيّدِينَ؛ فهي تجهد لتوفير الدعم اللازم ومقومات الحماية لهم، وان ما تفعله الصين بمواقفها في المنظمات الدولية عبر دعم القرارت التي تحافظ على حقوق الشعوب وتحميها بالإضافة إلى رفض القرارات التي تعزز هيمنة القوى العظمى على الدول والشعوب بالإضافة لرفضها المطلق لأي عقوبات او تصرفات أحادية الجانب وما يسمى بالولاية القضائية طويلة الذراع التي تتبناها الولايات المتحدة الاميركية. كما ان الصين من جهة أخرى قد أنشأت مؤسّسات إقليمية ودولية على غرار إنشاء بنك الاستثمار الآسيوي للبنية التحتية ومنظمة شنغهاي للتعاون لتكون آلية ذكية لا تستوجب الامتثال المطلق للمعايير الدولية السائدة (التي أرساها الغرب طوعا)؛ و بهذا تُحافظ الصين على الصفة الأخلاقية لقيادة الصين ولا تُظهرها بأنّها قوة صاعدةٌ تريد في المقابل قلب النظام القائم .

وائل خليل ياسين
– رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات و التنمية
-استشاري متخصص بحوث سياسات مجلس الدولة الصيني لشؤون غرب آسيا و شمال أفريقيا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى