الدكتور يربان الخراشي يكتب عن التعاون الصحي الموريتاني الصيني و عن مجمع الأمراض المُعدية
الصين أفضل شريك وقت الضيق لبلادنا
شكلت الاتفاقية في المجال الصحي الموقعة سنة 1968 بين بلادنا والصين الأرضية الصلبة لتطوير التعاون، وتعميقه في هذا المجال الحيوي الأكثر التصاقا بحياة المواطنين، حيث دأبت الصين على إرسال فرق طبية متعددة التخصصات إلى بلادنا منذ أكثر من خمسين عاما بما مجموعه حتى الآن 33 بعثة طبية موزعين على مستشفيات نواكشوط، وسيلبابي، وكيفة، والنعمة، وهذا ما لعب دورا هاما في تبادل الخبرات، وتكوين الكادر الطبي الوطني، وساهم بفعالية في دعم تحسين نوعية الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين خاصة في الداخل، والمناطق النائية الأكثر هشاشة، وحاجة إلى تلك الخدمة.
وخلال السنوات الأخيرة شهد هذا التعاون قفزة نوعية جديدة ركزت على دعم تحسين البنية التحتية الاستشفائية، حيث تم تشييد مراكز الاستطباب في سيلبابي، وكيفة، والصداقة بانواكشوط، والتوقيع نهاية السنة المنصرمة على اتفاقية لبناء مقر جديد للمركز الوطني للبحوث في مجال الصحة العمومية، هذا بالإضافة إلى برنامج محاربة العمى الذي أعاد النور إلى عيون الآلاف منذ بداية تنفيذه سنة 2015.
اليوم وفي ظل الأزمة العالمية الصحية والاقتصادية بفعل الجائحة التي سببها الانتشار الرهيب عالميا لفيروس كورونا المستجد برهنت العلاقات الموريتانية الصينية أنها دائما على قدر التحدي، وأثمرت أغلى هدية في عهد كورونا، ألا وهي جناحا تابعا للمستشفى الوطني مخصصا للأمراض المعدية، وليس توقيت الهدية ما يجعلها فريدة من نوعها بل وموقعها أيضا، حيث أن هذا الموقع كان قبل أقل من سنتين شبه مكب للنفايات، أما اليوم وبفعل الأيادي السخية لأبناء النهر الأصفر تحول المكان الكائن جنوب غرب المستشفى الكبير إلى مبنى حديث من طابقين يجمع بين أصالة التراث المعماري الوطني، وروعة التصميم، ويمتد على مساحة 7300 متر مربع مع إجمالي مساحة بناء تصل إلى 4200 متر مربع، و يتكون المبنى أساسا من عيادة خارجية للأمراض المعدية مجهزة بأجهزة طبية حديثة على سبيل المثال لا للحصر جهاز التصوير الإشعاعي الرقمي المتنقل، و جهاز الماسح الضوئي بالموجات فوق الصوتية، وجهاز التعرف الآلي على البكتيريا وتحليل الحساسية للدواء، و جهاز تحليل الدم التلقائي، وجهاز تحليل كيميائي حيوي آلي إلى غير ذلك من الأجهزة الحديثة، هذا بالإضافة إلى المكاتب الإدارية وملحقاتها المتكونة من غرفة غسيل، ونظام لمعالجة مياه الصرف الصحي، وخزانات مياه الشرب، ومضخات مياه مكافحة الحريق، وغرفة الترميد إلى غير ذلك من الملاحق، أما الطابق الثاني فهو مخصص للحجز الطبي بطاقة إستعابية تصل إلى 50 سريرا مع الأجهزة والأدوات الطبية المطلوبة مثل أجهزة مراقبة المريض، والتنفس الاصطناعي، هذا بالإضافة إلى غرفة للعناية المركزة وفق أحدث التجهيزات الطبية.
هذا المشروع التابع لمكتب التعاون الاقتصادي الدولي بوزارة التجارة الصينية تم التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاقيته أكتوبر2017 ،واعتماد مخططاته التصميمية يناير2018، وانطلقت أعمال تنفيذه أغسطس 2018، وقد خلق أكثر من 60 فرصة عمل محليا، كما استفاد منه عشرات الموردين المحليين، وقد تم تقديم تاريخ تسليمه عدة شهور دعما لجهود بلادنا المتخذة ضد فيروس كورونا، وهذا ما شكل فرصة ثمينة للتعرف عن قرب على مفهوم سرعة الصين إحدى الميزات الأساسية لنظام الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، حيث تم استكمال أعمال أكثر من نصف سنة في أقل من أسبوعين.
المقر جديد للمركز الوطني للبحوث في مجال الصحة العمومية الذي سيكون حاضنا لمختبرات قادر على إجراء كل أنواع التحاليل الطبية البيولوجية والكيميائية المطلوبة، بالإضافة إلى مختبرات من نوع P2 و P3 قادرة على التعامل مع الفيروسات الممرضة عالية الخطورة مثل كورونا، وفيروس الإيبولا، وفيروسات الحمى النزيفية، وغيرها، بالإضافة إلى المركز الذي تم تدشينه اليوم، مشروعان يعكسان أصالة العلاقات الموريتانية الصينية، و سيكون لهما الفضل مستقبلا في تحقيق الاستقلال التام لبلادنا في مجال السلامة البيولوجية والكيميائية هذا من جهة، ومن جهة أخرى نعتقد أن التطور المتسارع في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات يتيح آفاقا واعدة يجب استغلالها في تطوير التعاون بين البلدين في مجال الصحة الرقمية والطب عن بعد، وكذلك تطوير العلاقات في مجال الطب التقليدي، والسعي إلى جذب استثمارات صينية في مجال صناعة الأدوية.
الأزمة العالمية الراهنة برهنت على أن الصين ليست أكبر شريك تجاري لبلادنا فحسب بل وأفضل صديق وقت الضيق لبلادنا، وأكبر مساهم في الرفع من أداء منظومتنا الصحية خدمة لشعبنا الذي بات يتطلع إلى شراكة استراتيجية شاملة معها كنتيجة طبيعية وثمرة لأكثر من نصف قرن من العلاقات الدبلوماسية الصامدة صمود جبل تشين لينغ وسط الصين في ظل عالم متغير تغير تضاريس الكثبان الرملية في صحرائنا الشاسعة، وكذلك كنتيجة لنظرة استشرافية للمستقبل الذي تشير جل الدراسات العالمية على أنه شرقا، ولمن دخل من البوابات الجديدة لسور الصين العظيم.
د. يربان الخراشي