اقتصاد وأعمالثقافةسياسةمواضيع مختارة

منتدى مراكز الفكرفي بكين…رؤية موريتانيا

قدم رؤية موريتانيا الدكتور يربنا الخراشي، الباحث والكاتب الموريتاني في الشأن الصيني والعلاقات العربية الصينية، الذي قال إن مقترح الصين ببناء مجتمع المصير المشترك للبشرية من شأنه أن يدعم إحلال السلام والتنمية في العالم، خصوصًا وأن تاريخ الصين شاهد على حبها للسلام وبسالتها في الحرب إن فرضت عليها، موضحًا أنه خلال فترتي الإمبراطوريتين تانغ (618- 907) وسونغ (970- 1279)، كانت مساهمة الصين تمثل أكثر من 50% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ومع ذلك لم تسع الصين إلى احتلال العالم، بالإضافة إلى صعودها السلمي الجاري، مما يجعلها طبيعيا الدولة الأمثل الحاملة والحامية للواء السلام العالمي، مضيفًا أن سور الصين العظيم، يعتبر دلالة واضحة على رغبة الصين في حماية نفسها من الأعداء، مع احتفاظها بالسلام في الوقت نفسه.

قطار التنمية الصيني

وأضاف الباحث الموريتاني أن ركوب قطار التنمية الصيني السريع فرصة تحقق نقلة تنموية غير مسبوقة، مشيرًا إلى حملة التشويه غير المبررة التي تتعرض لها فكرة بناء مجتمع المصير المشترك الإفريقي الصيني من بعض أصحاب الدوافع الخفية، موضحًا أن مستقبل القارة بأيدي شبابها الذين يدركون جيدًا الاتجاه العام للوضع العالمي والتغيرات التي حدثت كي تضع الصين على القمة منافسة كبريات الاقتصاديات العالمية، مضيفًا أن هذا الهجوم بمثابة من يسكب الماء في الغربال، وأنه لن يستطيع أحد إيقاف مسيرة الشعبين الصيني والإفريقي نحو الشراكة والتنمية، وأن القارة لن تكون ضحية لانسحاب أية قوة عظمى من المشهد العالمي.

مشاهد تعميق الإصلاح والانفتاح

وأكد أن سياسات تعميق الإصلاح والانفتاح أسفرت عن إنجازات عدة، أهمها انفتاح القطاع المالي الصيني وتدويل العملة الصينية، وتحويل تحويل الصين من أكبر مصنع إلى أكبر سوق في العالم، ومن دولة مصدرة إلى مستوردة وغيرها من السياسات التي تحمل في طياتها إنكار الذات وتتيح فرصًا تنموية كثيرة لدول القارة.

الرحالة دوهوان هو وثق علاقة الصين بالمغرب العربي

وأورد في كلمته، ان الأسير الرحالة الصيني دوهوان، كان أول صيني وطأت أقدامه أرض المغرب العربي في القرن الثاني الهجري “751- 762 ميلادية”، وأن مذكرات أسفاره (经行记) التي كتبها بعد عودته إلى الصين سنة 762م، كانت أول مصدر صيني موثوق يصف بشكل دقيق حياة العرب والمسلمين في تلك الفترة، ويؤكد أن علاقة الصين بتلك المنطقة البعيدة جغرافيًا عنها قديمة قبل اكتشاف الأمريكتين ودخول أوروبا عصر النهضة والتقدم.

إحياء طريق الحرير

وأضاف أن الرئيس شي جين بينغ هو الأب الروحي لفكرة إحياء طريق الحرير، أو مبادرة الحزام والطريق التي وصفها بمشروع القرن، وأنها تمثل نسخة الصين بثقافتها، وحضارتها، وتاريخها للعولمة التي تتيح للعالم تطورا تشاركيا، فيما تضع الصين على طريق تحول اقتصادها على المستوى البنيوي، ووصول العملة الصينية للعالمية، وطريق بكين للإفلات من الكماشة الأمريكية، وتحويل مركز الاقتصاد العالمي من الغرب إلى الشرق، وخلق ظروف جيوسياسية عالمية جديدة.

الحزام والطريق طوق نجاة الدول الإسلامية

وأشار إلى أن “الحزام والطريق” تعتبر طوق نجاة للدول الإسلامية، موضحًا أن طريق الحرير بفروعه المختلفة يمر من 25 دولة مسلمة منضوية تحت راية منظمة التعاون الإسلامي، وذلك من أصل 65 دولة على طول الطريق، وأنه حتى إقليم شينجيانغ بوابة طريق الحرير على العالم ذي أغلبية مسلمة، مؤكدًا أن التقارب بين دول المسلمين من السهل أن يأتي من خلال طريق الحرير الذي يربط مدن بخاري وسمرقند بطهران وأنقرة ودمشق والقاهرة وعدن، ما يعني إحياء جسر الحضارات القديم بين الصين والعالم الإسلامي خاصة الدول العربية، على المستوى الثقافي والاقتصادي .

موريتانيا والصين

وأضاف أنه في 19 يوليو سنة 1965، أقيمت العلاقات الدبلوماسية بين موريتانيا والصين، في ظروف دولية استثنائية فرضتها الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، والتي قسمت العالم لمعسكرين، مضيفًا أن العلاقات بين البلدين صمدت خلال أكثر من 50 عامًا صمود جبل تشين لينغ في ظل عالم متغير تغير تضاريس الكثبان الرملية في الصحراء الموريتانية، موضحًا أن الرئيس الموريتاني الراحل المختار ولد دداه لعب دورًا محوري في حث الدول الإفريقية على التصويت لصالح القرار الأممي رقم 2758، الذي ينص على إعادة كافة الحقوق للحكومة المركزية في بكين، واعتبار ممثلها الممثل الشرعي والوحيد للصين بالأمم المتحدة، وذلك خلال رئاسة موريتانيا منظمة الوحدة الإفريقية (الاتحاد الإفريقي حاليًا) في ذلك التوقيت.

شريان الحياة الموريتاني من الصين

ولفت إلى المحطات المضيئة في العلاقة بين البلدين، مثل تنفيذ ثاني أكبر مشروع صيني في إفريقيا وهو ميناء الصداقة الذي يعد شريان الحياة للاقتصاد الموريتاني، وبوابتها على العالم الخارجي، بتكلفة تقدر بحوالي 330 مليون يوان، ويأتي بعد المشروع الصيني الأكبر في القارة وهو مشروع سكك حديد تنزانيا، مضيفًا أن هناك مشاريع أخرى مثل بناء دار الثقافة ودار الشباب ومحطة توليد كهرباء نواكشوط العاصمة، ومشروع توسيع شبكة تزويد العاصمة بالمياه، والمستشفى الوطني، والملعب الأوليمبي، وقصر المؤتمرات و القصر الرئاسي ومقر الوزارة الأولى ووزارة الخارجية، وأن جل معالم مدينة نواكشوط الحديثة بنيت بأيادى وأموال أبناء النهر الأصفر حفدة التنين المهرة.

سواحل شمال وغرب القارة

وأشار إلى أنه رغم أن سواحل شمال وغرب إفريقيا لم تكن ضمن نطاق طريق الحرير البحري القديم، إلا أن الصين اهتمت بانضمامها إلى المبادرة نظرًا لأهميتها الجيواستراتيجية وقربها من أوربا وأمريكا، فضلا عن كونها المنطقة البكر الغنية بثروات الطبيعة، فضلا عن أنها جزء من الخزان البشري القادم من جنوب الصحراء، ما جعل منها حلقة مهمة في أي مبادرة ذات بعد عالمي.

مخاض ميلاد عالم جديد

وأكد أن انضمام دول شمال غربي القارة للمبادرة وسط حروب الاستراتيجيات الدائرة حاليًا، يمكن أن يحدث نقلة لها، نظرًا لوجود عالم جديد متعدد الأقطاب يوشك أن يخرج إلى النور، مضيفًا أن المبادرة فرصة لإحياء طريق القوافل عبر الصحراء، ما يخلق ظروف جيوسياسية جديدة بالمنطقة تفضي لحل مشكلة الصحراء من زاوية اقتصادية، وهو ما عجزت عنه الحروب والسياسة، وجذب المزيد من الدعم المالي والفني الصيني لمجموعة دول الساحل الخمسة، فضلا عن تمكن موريتانيا من استغلال الموقع الاستراتيجي لمنطقة أنواذيبو الحرة المفتوحة وإمكانها أن تكون جسر اقتصادي هام إلى إفريقيا والعالمين العربي والأوروبي.

الحزام والطريق واستراتيجية التنمية الموريتانية

وقال إن مبادرة الحزام والطريق، تتلاقى واستراتيجية التنمية الموريتانية (2016-2030)، موضحًا خمسة مجالات للتعاون بين البلدين أهمها في مجال استكشاف واستغلال وتصدير الحديد الخام، خصوصًا وأن الصين في أمس الحاجة إلى تنويع مصادرها منه، وقطع الطريق أمام استراليا والبرازيل للتحكم في مصير هذه السلعة الاستراتيجية، خاصة في ظل بلوغ إجمالي حجم صادرات العملاقين إلى حوالي 85% من إجمالي واردات الصين من هذه المادة، ما قد يمكن شركة اسنيم من تحقيق حلمها بالانضمام إلى الخمس الأوائل لمصدري خامات الحديد بحلول عام 2035 م، مشيرًا إلى أن الانضام إلى المبادرة قد يكون قناة جلب وتوطين لصناعة الصلب في بلاده، خاصة في ظل سياسات الصين الهادفة إلى تحسين مؤشرات جودة المناخ بغلق مصانع الصلب، مما سيخلق عشرات الآلاف من فرص العمل بالإضافة إلى خلق عشرات الفرص الاستثمارية ذات القيمة المضافة للاقتصاد الوطني في القطاعات المغذية لهذه الصناعة.

صيد الأسماك

ولفت إلى أن الخطة الصينية الخمسية الثالثة عشرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية (2016- 2020)، تتضمن بندا حول تعميق التعاون مع موريتانيا لتعزيز التعاون في مجال صيد الأسماك، وأنه حاليا هناك عدة شركات صينية تعمل في مجال صيد الأسماك ومعالجتها، قد استثمرت حوالي 200 مليون دولار في تلك الصناعة، وتملك قرابة 200 سفينة صيد في مياه بلاده البحرية، معربًا عن أمله أن تكون المبادرة قناة لنقل المهارات والخبرات، وتكوين وتطوير اليد العاملة الوطنية، وتمكينها من أحدث ما توصلت إليه تكنولوجيا صناعة وتعليب الأسماك ومشتقاتها، خاصة أن موريتانيا تملك شواطئ حاضنة لثاني أكبر ثروة سمكية في العالم، وتضم أكثر من 300 نوع من الأسماك مع إنتاج سنوي يبلغ حوالي 1.8 مليون طن.

وأوضح أن الصين تعتبر أكبر شريك تجاري لبلاده، وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين سنة 2013 حوالي 2.34 مليار دولار، مع تحقيق فائضا في الميزان التجاري لصالح موريتانيا بلغ حوالي 1.14 مليار دولار، مضيفًا أنه خلال سنة 2018 وبعد انهيار أسعار خامات الحديد عالميًا، تناقص حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى حوالي 1.988 مليار دولار مع حدوث عجز في الميزان التجاري بقيمة 176 مليون دولار.

وقال إن انضمام موريتانيا إلى مبادرة “الحزام والطريق”، وتفعيل رؤية وطنية تتقاطع مع هذه المبادرة، قد يشكل إعادة لإحياء دورها التاريخي التجاري كهمزة وصل بين شمال إفريقيا وغربها، وبالتالي تحويلها إلى جسر اقتصادي من جسور قطار طريق الحرير فائق السرعة، مما قد يكسبها المزيد من المزايا الاقتصادية، والاستثمارية، والدبلوماسية في شبه المنطقة، بل أكثر من ذلك قد يشكل فرصة لتنويع مصادر الاقتصاد الموريتاني الوطني، وبالتالي كسر معادلة مستقبلها المرهون بأسعار المادة الخام.

جيبوتي حجر الزاوية في الحزام والطريق

فيما قال عادن عمر عبداللاهي مدير معهد الدراسات السياسية والاستراتيجية في جيبوتي، إن تعزيز التعاون بين بلاده والصين تنامي بسرعة في الفترة الأخيرة، ما أثار غضب الغرب الذي كان يتجاهل من قبل الاستثمار في هذا البلد الصغير المطل على مضيق باب المندب جنوب البحر الأحمر، خصوصًا وأن مساعدات بكين لها من شأنها أن تحولها إلى مركز إقليمي للتجارة والتموين في إفريقيا، ما يرفع معدلات الاقتصاد ويحسن من معيشة المواطنين.

وأضاف أن الصين ترى أن بلاده حجر الزاوية في مبادرة الحزام والطريق، لذا فقد تحركت عام 2017 لبناء أول قاعدة عسكرية صينية خارج الحدود وذلك على أراضي جيبوتي، بهدف حماية طريق التجارة الذي يمر عبر مضيق باب المندب إلى قناة السويس في مصر ومن ثم الأسواق الأوروبية، ذلك الطريق الذي يتضمن نسبة كبيرة من صادرات النفط العالمية والسلع التجارية الأخرى، مشيرًا إلى أنها خطوة رفعت من مكانة البلد الإفريقي، لكنها بالمقابل أثارت بعض المخاوف الغربية، على الرغم من أن الولايات المتحدة بنت قاعدتها “معسكر ليمونيه” قبل الصين بسنوات، مضيفًا أن الصين بشكل تدريجي قللت من الاعتماد على إرسال سفن إمداد لحماية قوافلها التجارية البحرية، وتتجه إلى إنشاء قواعد في الخارج، مبررًا تلك الأهمية بأن كثير من الدول ترى ضرورة إنشاء قاعدة عسكرية في جيبوتي لمراقبة وحماية الملاحة في تلك المنطقة، لأن منطقة خليج عدن والبحر الأحمر عبارة عن مساحة مائية حساسة يمر عبرها كميات كبيرة من الشحنات التجارية العالمية.

وأضاف أن الصين ضخت استثمارات في المشروعات الاقتصادية المحلية، مثل القطار الكهربائي عالي السرعة بين أديس أبابا وجيبوتي، وخط أنبوب المياه من إثيوبيا، والمطار الجديد على الساحل، فضلًا عن المنطقة التجارية الدولية الحرة في جيبوتي التي خلقت المئات من فرص العمل، ما وفر مساحة للتعاون مع المجتمعات المحلية، مشيرًا إلى أنه عندما يفكر الناس بالمستقبل فإنهم يتجهون نحو الصين، وأن الرافعات العملاقة في ميناء “دوراله” أصبحت معلمًا بارزًا لجيبوتي. 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى